فصل: قال في ملاك التأويل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين} اتفق القراء السبعة على الاتباع في هذه الصفات العلية وإجرائها على ما قبلها. وقال تعالى في سورة البقرة: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس} وفي سورة النساء: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل إليك من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}.
اتفق القراء السبعة في هذه الصفات الأربع وهى قوله في آية البقرة: والموفون والصابرين، وفى آية النساء: والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة. على القطع كما اتفقوا في أم القرآن في الأربع صفات الواردة فيها على الاتباع، وقد اتفقت ثمانيتها في أنها صفات ثناء ومدح وتعظيم ثم اختلفوا فيما ذكرنا من الاتباع والقطع ولم يجروها مجرى واحدًا، وقد ترجم سيبويه رحمه الله على ما ينصب على التعظيم والمدح، وقال في الترجمة بعد إشارتها إلى أن الوجه الانتصاب على ما ذكر من القطع بمقتضى مفهوم الترجمة فاتبع بأن قال: فإن شئت جعلته صفة مجرى على الأول، وإن شئت قطعته فابتدأته واستشهد على القطع بما ورد من قول العرب: الحمد لله الحميد هو والملك لله أهل الملك فنصب الحميد ولهذا اتبع بالضمير المؤكد المستتر في الصفة ليظهر النصب في الصفتين. ثم اتبع بجواز الرفع والاتباع وأشار إلى أن القطع هو المختار في الباب إذا كان الموصوف معلوما والصفة المدح والثناء وهذا حاصل قوله وقول الجمهور وعليه ورد ما أورده من الآيات وما ذكر عن العرب من الإثبات. ثم إنه أشار إلى ضعف القطع في قوله في أثناء كلامه وسمعت بعض العرب يقول {الحمد لله رب العالمين}- يعنى بالنصب- فسألت عنها يونس فزعم أنها عربية.
وعادته رحمه الله التعبير بهذه العبارة عما هو دون غيره في القوة، من ذلك قوله في أول أبواب الاشتغال عقب بيت ذي الرمة:
إذا ابن أبي موسى بلال بلغته ** فقام بفأس بين وصليك جازر

فقال عقبه: والنصب عربي كثير والرفع أجود ولما استشهد على اختياره النصب فيما تقدم قبله جملة فعلية ببيتي الربيع بن ضبع الفزاري:
أصبحت لا أحمل السلاح ** ولا أرد رأس البعير إن نفرا

والذئب أخشاه إن مررت به ** وحدى وأخشى الرياح والمطرا

بنصب الذئب وهو المختار أتبع بأن أن قال: وقد يبتدأ فيحمل على ما مثل ما يحمل عليه وليس قبله منصوب وهو عربي وذلك قولك: لقيت زيدًا وعمرو كلمته، ولم يخالف أحد في أن النصب في هذا أفصح.
وقال في مسألة: أنت عبد الله ضربته واختياره الرفع في عبد الله لما جعل الضمير المنفصل قبله مبتدأ وهو أنت فضعف مقوي النصب في عبد الله وهو الاستفهام للفصل بالمبتدأ، فقال بعد اختياره الرفع لما ذكر: إلا أنك إن شئت نصبته كما نصبت زيدًا ضربته. ثم قال عربي جيد بعد ما قدم أن الرفع عنده أولى.
وقال في مسألة: رأيت متاعك بعضه فوق بعض. وجوز الرفع والنصب على معنيين فقال عقب ذلك والرفع في هذا أعرف. ثم قال بعد: وإن نصبت فهو عربي جيد وقال بعد إنشاده:
إن على الله أن تباعيا ** تؤخذ كرهًا أو تجئ طائعًا

قال: فذا عربي حسن والأول أعرف وأكثر. فقد تبين من متعارف إطلاقه ما يريد يهذه العبارة وقد ترددت في كتابه كثيرا فحكايته هذه القراءة عن بعض العرب بعد إيثار القطع عن جميعهم إذ لا يقتضى إطلاق كلامه غير ذلك وعليه فهمه الناس عنه وجرى عليه كلام جميعهم اعتمادًا على تلقيه من العرب ثم حكى ما يعارض ما تمهد من ذلك بما ذكر من هذه القراءة. فهذا مع سؤاله يونس عن هذه القراءة وجواب يونس بأنها عربية، وقد بينا مراده بهذه العبارة وقول سيبويه في أخباره عن قول يونس فزعم حاصل من ذلك كله ضعف القطع في هذه الصفة مع أنها مدح وتعظيم. فالوجه على ما تأصل فيما قدمنا قطعها بتضعيف هذه القراءة معارض. لما اتفقوا عليه فهو مما أشكل ولم أر من تعرض له من نحوي ولا مفسر إلا بما لا يصح. وقد أطنب أبو الفضل بن الخطيب الرازي رحمه الله في التفسير المنسوب إليه، فيما أورد في تفسير الفاتحة وما تعرض لهذا بشيء وكذلك غيره من النحويين والمفسرين إلا من قال إن القطع في هذه القراءة هو الوجه وإياه أراد سيبويه وإن جواب يونس بقوله: عربية إنما يريد إنها فصيحة كالمثل المذكور معها وهذا خطأ بين ومن أمعن النظر في الكلام يراه من هذا.
وقد زعم بعض من عاصرناه من النحويين أن سيبويه إنما قصد بما حكاه عن بعض العرب من هذه القراءة فسأل يونس عنها الرد على من قال: إن القطع لا يكون إلا بعد اتباع. فهذا أيضًا فاسد إذ لم يتقدم من كلام سيبويه رحمه الله ما يبني عليه هذا لا في الترجمة ولا في المثل ولا فيما أنشده من قول الأخطل:
نفسي فداء أمير المؤمنين إذا ** أبدى التواجد يوم باسل ذكر

الخائض الغمر والميمون طائره ** خليفة الله يستسقى به المطر

ومهلهل:
وللقد خبطن بيوت يشكر خبطه ** أخوالنا وهم بنو الأعمام

ولا تعرض له إلا بعد ما ذكر بعض ما سمعه من قراءة بعضهم: {الحمد لله رب العالمين} بالنصب وسؤال يونس عنها وبناء الباب على ما تقدم وتعقيبه بما به اتبع الترجمة وكل ذلك جار على ما فهمه الجماعة من اختيار القطع وإن لم يتقدم اتباع. ثم إن القطع قبل الاتباع قد تحصل مما أورده من المثالين المسموعين والآيات وما أنشده قبل الاتباع وبعده من غير تفصيل في الحالين وذلك كله يقتضي استواء الحكم ما لم يكن الموصوف يفتقر إلى زيادة بيان، فإنه قد يحسن إذ ذاك بيان، ولما لم يقع فيما صدر به سيبويه الباب إلا ما هو معلوم غير محتاج إلى زيادة بيان وإذا ثبت هذا ولم تقع إشارة إلى ما زعم هذا القائل من هذا التفصيل فلا يتوقف القطع على الشرطين المذكورين: من كون الصفة للثناء والتعظيم، وكون الموصوف معلومًا. وهل يطرد هذا الحكم في كل ما وجد فيه أم يتفصل؟ هذا حكم آخر وسيستوفى بعد إن شاء الله.
أما تقدم الاتباع فليس بشرط وإنما تعلق القائل بذلك مما ذكر أبو طاهر في باب شاذ مما يشير إلى أنه قول قائل من النحويين، إلا أنه لم يتعرض لكلام سيبويه وإنما الخطأ في نسبة ذلك لسيبويه مع فساد هذا القول في نفسه. فإذا تقرر ما أصلناه من أن الوجه فيما الصفة فيه مدح أو ذم والموصوف معلوم قطع الصفة وأنه الأفصح، فللسائل أن يسأل عن وجه ضعف النصب في القراءة المذكورة مع حصول شرط القطع؟ ولم اتفق القراء على خلاف ما تمهد أنه الوجه؟
والجواب عن ذلك- والله أعلم- أن اختيار القطع بعد حصول شرطية مطرد ما لم تكن الصفة خاصة بما جرت عليه لا تليق بغيره ولا يتصف بها سواه ولا شك أن هذا الضرب قليل جدًا فلذلك لم يفصح سيبويه رحمه الله باشتراطه واكتفى بالوارد مما ذكره عن بعض العرب فإذا كانت الصفة مما لا يشارك فيها الموصوف غيره وكانت مختصة بمن جرت عليه فالوجه فيها الاتباع ويطرد ذلك في صفات الله سبحانه مما لا يتصف به غيره، وأوضح ذلك هذه الصفة العلية ألا ترى أن ربوبيته تعالى للعالم بأسره لا تنبغى لغيره ولا يتصف بها سواه فلما كانت على ما ذكرته لم يكن فيها القطع والمراد السماع على هذا كاف في الدلالة فمنه الآية المذكورة ومنه قوله تعالى: {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول}.لما كان وصفه تعالى بغافر الذنب وما بعده لا يليق بغيره تعالى لم يكن إلا الاتباع، والاتباع لا يكون بعد قطع فلزم الاتباع في الكل، ومن هذا قول عمرو بن الجموح:
الحمد لله العلي ذى المنن ** الواهب الرزاق ديان الدين

وهذا مع تكرار الصفات وذلك من مسوغات القطع على صفة ما، وعند بعضهم من غير تقييد بصفة، وأما الاتباع فيما لم يقع فيه إلا صفتان من صفاته تعالى فأكثر من أن يحصى، فهذا شاهد السماع وهو كاف وله وجه من القياس وهو شبيه بالوارد في سورة النجم في قوله تعالى: {وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا}.ثم قال تعالى بعد: {وأنه هو أغنى وأقنى وأنه هو رب الشعرى}. فورد في هذه الجمل الاربع الفصل بالضمير المرفوع بين اسم أن وخبرها ليحرز بمفهومه نفى الاتصاف عن غيره تعالى بهذه الأخبار وكان الكلام في قوة أن لو قيل: وأنه هو لا غيره وذلك أنه لما كان يمكن المباهت الجاحد ادعاء هذه الأوصاف لنفسه مباهتًا ومغالطًا كقول طاغية ابراهيم عليه السلام جوابًا لإبراهيم عليه السلام حين قال: {ربي الذي يحيي ويميت} فقال الطاغية مباهتًا ومخيلًا لأمثاله: أنا أحيي وأميت فأوهم بفعلة يطلق عليها هذه العبارة مجازًا بقتله من لم يستوجب القتل وتسريحه من وجب عليه القتل وهذا جار في هذه الجمل المفصول فيها بالضمير فأتى به لما ذكر ولم يرد هذا الضمير في قوله تعالى: {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى} لأن ذلك مما لا يتعاطاه أحد لا حقيقة ولا مجازا وبالاعتراف بذلك أخبر تعالى عن عتاة الكفار العرب وغيرهم حين قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} وكذلك قوله تعالى: {وأنه أهلك عادًا الأولى} لكون اهلاك القرون المكذبة مما لا يمكن أن ينسب لغير الله تعالى فلم يعرض في هذا مفهوم يحتاج التحرز منه لم يرد هنا فصل بضمير كما ورد فيما تقدم.
وإذا تأملت القطع في صفات الثناء والمدح وجدت ما مهدناه جاريًا على هذا، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد العلم، فاتبعت الصفة لموصوفها مع كون الصفة صالحة لمن أجريت عليه ولغيره لم يكن ذلك ليدفع غير زيد عن مشاركته في صفته التي أجريتها عليه، فإذا قطعت قلت: ممرت بزيد العلم هو، برفع الصفة على تقدير مبتدأ أي هو العلم أحرز ذلك الضمير المبتدأ بمفهومه أن غير زيد ليس بعالم أو أنه ليس كزيد وكأنك قلت هو العلم لا غيره كما في الآي المتقدمه، وكذا القطع في النصب من غير فرق. فإذا كانت الصفة لم تخص من جرت عليه لم يكن هناك مفهوم محرز منه فلم يكن القطع ليحرز هنا فائدة فلم يحتاج اليه وعليه ورد السماع كما تقدم فقد تعاضد السماع والقياس كما بينا ووجب الاتباع في قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين} وهو مما لم يتعرض له أحد بما يخاص مع لزوم الجواب عنه. اهـ.